كان ذلك في ربيع عام 1950 لم يكن احد يعلم بان همنغواي قد بدأ بكتابة قصة (الشيخ والبحر) للمرة الثانية هناك على ساحل بحر (كابانا) اصطاد الشيخ سمكة كبيرة ومازالت معلقة مع الطعم بالسنارة يجرها الى وسط البحر. كلا لم يكن احد يعلم. همنغواي لم يتحدث حتى مع زوجته حول مشروع كتابة هذه القصة. مع العلم انه كان يطلعها دائماً على مشاريعه فماري كانت ذات خبرة صحفية مثله. هذه المرة لزم الصمت لكنها كانت تعلم بانه يعمل في مشروع جديد، ما نوع المشروع هذا؟ لم يكن همنغواي قد حدد معالمه هل سيكون قصة ام قصة قصيرة ام رواية؟ كانت قوى همنغواي الجسدية انذاك على احسن ما يكون، خفض من وزنه عشرين كيلو غراماً، ولو ان الرشاقة لم تكن بادية عليه واللحية الكثيفة كان يضجر من الحلاقة نظراً لجلده الحساس اما اذا وضع نظارته فما كان يبدو بهيئته هذ كملاكم قديم ابدا، بل كان اشبه بالحكيم فقط. عندما يضحك ينسى المرء كل شيء وتعود هيئته شابة وحيوية. كان همنغواي معظم الوقت مختفياً في غرفة عمله لا يظهر الا وقت العشاء في احدى الليالي نهض من مائدة الطعام بشكل مفاجئ واحضر المسودة وشرع بالقراءة بصوت عال كانت الصفحتان او الثلاث التي قرأها عبارة عن حوار بين صياد عجوز وصبي وفجأة سأل مقاطعاً نفسه: (اهذا صحيح ؟ ايتحدث الناس هكذا؟ اراد الاخرون ان يستفسروا عما كان يتحدث لكن (ماري) اومأت لهم بطرف عينها: في هذا المجال لا يسمح لاحد ان يسأل همنغواي في اليوم التالي كان ممتنعاً عن الكلام حتى انه لم يأت لتناول الطعام وطلب من (رينيه) ان يضع اليافطة امام البيت وهي تحمل عبارة (يمنع الدخول دون موعد)) كان البيت الذي يمتلكه همنغواي كبيراً مبني على الطراز الاسباني يقع وسط حديقة تبلغ مساحتها ثمانية هكتارات مزروعة بكل انواع الفاكهة والخضروات يتوسطه ملعب للتنس وحمام للسباحة وكان لديه ابقار وكلاب وقطط .همنغواي لا يمل من جمع القطط .غالباً ما كان يعود من نزهاته حاملاً معه قطة صغيرة اما ان يكون قد خلصها من الغرق او من صاحبها القاسي او وجدها على قارعةالطريق لم يكن همنغواي يستخدم المكتبة لعمله بل كان يعمل في البرج الابيض المطل على البحر وعلى العاصمة(هافانا) كان دخوله ممنوعاً حتى على الخدم اما بالنسبة للضيوف فكان محرماً وماعداه كان كل شيء مسموحاً. كان همنغواي يذهب مع ضيوفه للسباحة والرحلات البحرية ولزيارة العاصمة كان يشرب معهم الويسكي ويأكل شرائح اللحم الني ويزور الملاهي ويسمع الحان (التانغو) لم يكن دائماً معتاداً على هذه الحياة لقد اثبت مراراً بانه قادر على الاستغناء عن حياة الترف ففي السنوات الحرجة كان يسكن في غرفة بسيطة في حي (مونمارتر) في باريس كما عاش في بيوت مفروشة حيث لاحياة مريحة متوفرة وذلك عندما زار امريكا، نيويورك وواشنطن واسبانيا وانجلترا وافريقيا والصين. لقد تجول كثيراً. وطنه كان في وسط غرب الولايات المتحدة في (شيكاغو) حيث ولد في بيت في شمال (مشيغن) حمل الصبي بندقية ابيه الذي كان يصحبه دائماً في رحلات الصيد كانت الام مغنية وتمنت ان يكون ابنها موسيقياً ولكن هذا لم يحصل لانه لم يكن مولعاً بالموسيقى. ابان الحرب العالمية اراد التطوع ولكن لعلة في عينيه لم يقبل في الجيش الا ان الصليب الاحمر وافق اخيراً على تطوعه وارسل الى الجبهة الايطالية واصبح سائقاً للاسعاف يحمل الجرحى من خط النار الاانه اصيب يوماً اصابة خطرة (337) شظية دخلت في ساقيه وعندما غادر المستشفى كان يسير على عكازين من الحديد. الوطن كان يعني المغامرة، المغامرة باعداد جموع المقاتلين الغفيرة وبينهم الصحفي ولكن الذي يحمل تعاطفه ومشاركته في داخله. كتاباته كانت حول انتهاء الحرب العالمية واحداث اليونان والصين. كان اليأس من ان هذه الحرب سوف لن تكون الاخيرة فالزحف الفاشي على اوربا كان ينذر بحرب جديدة. في الحرب الاسبانية كان يناضل بجانب الجمهوريين ولم تكن الحرب الاسبانية سوى (بروفة) مقدمة لذلك. سافر بعدها الى انجلترا وانضم الى سلاح الجو الملكي كما عمل كمراسل حربي في الجيش الامريكي الثالث. كانت الحياة باشكالها والوانها اللانهائية (الحياة الحقة ستكون من السهو ل والليالي، من البحر والناس من النساء والكلاب. كان لديه افضل معلمة مخلصة التقى بها في (نور نوسان) حيمنا عين بعد الحرب العالمية مراسلاً للصحيفة في باريس كانت المعلمة تقرأ ما يكتبه وتصرح بان كتابات (رودبارد) افضل من كتاباته بكثير لم يكن يسمح لهمنغواي بكتابة كل ما يعرفه فعليه ان يكتب ما يراه وعليه التركيز بدقة حتى يرى همنغواي رأي الناس ويسمعهم يتحدثون همنغواي قرأ باللغة الفرنسية مع انه كان لايتقنها همنغواي كان يكتب بنشاط معتقداً بانه يسجل تقدماً كتبه الاولى لم تلق نجاحاً اصدر كتاباً صغيراً يضم ثلاث قصص قصيرة وعشر قصائد. في عام 1934 اصدر كتابه الثاني فبدأت الاوساط الادبية في فرنسا بالتحدث عنه متوقعة له مستقبلاً لامعاً. في عام 1936 كانت روايته الاولى (الشمس تشرق ايضاً) قد احدثت ضجة كبيرة. الكتاب تحدث عن جيل ما بعد الحرب .... جيل فقد قابليته للحياة. مشاكلهم باتت تشكل هموماً كبيرة في ذلك الوقت كان يقرا لتولستوي كثيراً انه قادر على الخلق اكثر وافضل من اي انسان اخر منه عرفت واكتب بشكل حقيقي وموضوعي اصعب شيء هو كتابة النشر الواقعي حول البشر يجب اتقان الموضوع وكيفية كتابته ولأتقان الاثنين معاً يحتاج المر ء الى حياة باكملها. رفض كل العروض الصحفية التي كان بوسعها ان تجعله يعيش لسنين طويلة دون هموم. عاد الى غرفته في (مونمارتر) اراد ان يتفرغ لعمله المستقبلي (ساكتب كل مااحسه واراه) ان كان ذلك بالامكان واتضح له بمرور الايام ان الكتابة كالرسم تماماً بساطة متناهية تجنب البيانية واخلاص في العمل (اذا كتب المرء بوضوح واراد ان يعبر عن مسألة واضحة فبامكان اي انسان التعرف على الغش وعملية الخداع وسيكون ذلك اشبه بكسر شروط القواعد اما اذا كتب بتعقيد فسيطول اكتشاف القارئ لغش الكاتب) كان يعمل بقسوة تنسي المرء بانه ينتج رواية هكذا انتجت اكبر الاعمال في عصرنا. كتابه (في بلاد اخرى) يصور قصة حب بائسة مابعد الحرب العالمية في ايطاليا لاناس فقدوا كل شيء عدا الحب وحتى الحب ينتهي بعد وفاة المرأة اثناء الولادة وبعد مرور وقت قصير اصدر كتابه (لمن تقرع الاجراس) قصة حب اكثر وعياً وقوة تدور احداثها ابان الحرب الاهلية الاسبانية قصة رجل يعرف ان هناك ماهو اهم من الحب الحرية. يغدو الموت لا شيء اذ تعلق الامر بانقاذ الحرية في هذا العالم وهاهي قصة (الشيخ والبحر) قصة صياد عجوز يضيع صيده بعد كفاح دام اياماً قصة بنهاية مأساوية كباقي قصص همنغواي. من قبل كانت صورة المراة التي خسرها منذ زمن معلقة على الجدار الان وضع الصورة بين طيات ثيابه لان منظرها يجعل الوحدة لاتطاق. في كانون الثاني من عام 1954 يسقط همنغواي من طائرة في (البرت سيس) ويعثر عليه احد المراكب السياحية وينقله الى (بريتانيا) حيث تنقله طائرة اخرى وتشتعل النار في الطائرة عند هبوطها فينجو همنغواي وزوجته في الوقت المناسب لكنه اصيب في كليته ورآسه والعمود الفقري وفي السنة نفسها حصل همنغواي على جائزة(نوبل) ولم يستطع حضور الحفل تسلم الجائزة. لم تكن قواه تساعده على ذلك كانت خيبة امل كبيرة في لندن وباريس وهوليود بالنسبة للذين راهنوا اذا كان همنغواي سيحلق ذقنه عند تسلمه الجائزة ام لا ويسر كثيراً لحصوله على الجائزة (واخيراً ساستطيع دفع ديوني) لكن سرعان ما يقع في التشاؤم (اذ يشيخ المرء) قال لاحد اصدقائه والظهر مهشم والكلية معصورة فذلك يعني بان المرء ليس في احسن حالاته وماعدا ذلك اشعر باني في حالة ممتازة. كان يرفض المقابلات. همنغواي انهى روايته بوضع اللمسات الاخيرة لها(اسوأ الجمل قمت بحذفها) انه يقوم بذلك بعد كل رواية واخيراً تخلص المرء من مسؤولية الكتابة الرهيبة وما عاد من معنى للحياة بعد الان. |
المواضيع الأخيرة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 2 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 2 زائر
لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 20 بتاريخ الجمعة 21 ديسمبر 2012, 00:56
احصائيات
أعضاؤنا قدموا 1066 مساهمة في هذا المنتدى في 444 موضوع
هذا المنتدى يتوفر على 44 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو shahd4400 فمرحباً به.
بحـث
أرنست همنغواي
مالك ياسين- المؤسس
- الجنس :
عدد المساهمات : 541
نقاط : 6271
التقييم : 1
البـــلــد : سوريا
المزاج : تمام الحمد لله
- مساهمة رقم 1
السبت 07 يناير 2012, 12:45 من طرف سلام الحاج
» الى الاخ جزائري
الخميس 04 فبراير 2010, 22:14 من طرف ابو قدور
» شكوى الى شركة احلى المنتديات
السبت 30 يناير 2010, 00:04 من طرف جزائري وأفتخر
» بيــان أول نوفمبر 1954
الجمعة 08 يناير 2010, 00:25 من طرف khmaya.k
» الأمل
الجمعة 01 يناير 2010, 23:53 من طرف ابو قدور
» أهلا وسهلا ومرحبا بالعضو الجديد أبو قدور
الخميس 17 ديسمبر 2009, 13:12 من طرف ابو قدور
» تهنئة ومباركة
الخميس 17 ديسمبر 2009, 12:57 من طرف جزائري وأفتخر
» عشق العلم و عشق الحسان مقارنة للشافعي :
الإثنين 14 ديسمبر 2009, 19:49 من طرف ابو قدور